بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد: فهذه بعض المقتطفات من شرح الدكتورة نوال بنت عبد العزيز العيد -وفقها الله- لكتاب "النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى"
وسأبدأ باسم
((الله))
س: هل "الله" هو اسم الله الأعظم ؟
س: ومن قال أن اسم الله الأعظم فما دليله على ذلك ؟
س: ما معنى الله ؟
س: مالآثار السلوكية المترتبة على الإيمان باسم الله جلّ وعلا "الله" ؟
لقد ورد في هذا الاسم عدة أحاديث صحيحة، وهي:
1/ حديث عبدالله بن بريدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول: اللهم إني أسألك أني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد. فقال: "لقد سألت الله بالاسم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب".
وفي رواية فقال: "والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى".
2/حديث أنس رضي الله عنه قال: كنت جالسا مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد ورجل يصلي فقال: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت الحنّان المنّان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام، ياحيّ ياقيوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى".
لفظ "الحنّان في الحديث ضعيف.
والذي تفرّد بلفظ "الحنّان"خلف بن خليفة صدوق اختلط في الآخر.
ولفظ الحديث الصحيح كما رواه الجمهور:
"اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنّان بديع السموات والأرض ياذا الجلال والإكرام ياحيّ ياقيّوم".
3/ حديث أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اسم الله الأعظم في سور من القرآن ثلاث، في البقرة وآل عمران وطه".
فما اسم الله الأعظم:
القول الأول: قال القاسم: فالتمستها أنه الحيّ القيّوم، في سورة البقرة آية الكرسي (اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَالْحَيُّ الْقَيُّومُ) وفي سورة آل عمران (الم*اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) وفي سورة طه (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ).
القول الثاني: أن الله هو الاسم الأعظم، قال بهذا الطحاوي والرازي وابن القيم وغيرهم.
يقول ابن القيم في تفسير سورة الفاتحة:
"اعلم أن هذه السورة اشتملت على أمهات المطالب العالية أتم اشتمال، وتضمنتها أكمل تضمن، فاشتملت على التعريف بالمعبود بثلاثة أسماء مرجع الأسماء الحسنى والصفات العليا إليها مدارها عليها، هي: الله والرب والرحمن، وبنيت السورة على الإلهية والربوبية والرحمة فـ (إيّاك نعبد) مبني على الإلهية، و(إياك نستعين) مبني على الربوبية، وطلب الهداية إلى الصراط المستقيم بصفة الرحمة، والحمد يتضمن الثلاثة، فهو المحمود في ربوبيته، وإلهيته، ورحمته" ا.هـ
1/وهذا يدل على أنه اسم الله المحبوب لأننا نردده في سورة الفاتحة في كل صلاة، بل إن أي صلاة لا يقرأ فيها بالفاتحة فهي خداج غير مقبولة.
2/ أنّ هذا الاسم ما أطلق على غير الله تعالى فإن العرب كانوا يسمون الأوثان آلهة إلا هذا الاسم فإنهم ما كانوا يطلقونه على غير الله سبحانه وتعالى، والدليل قوله تعالى: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) وقال تعالى: (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) معناه: هل تعلم من اسمه الله سوى الله؟! ولهذا لم يثن ولم يجمع ولمّا كان هذا الاسم في هذا الاختصاص بالله تعالى على هذا الوجه؛ وجب أن يكون أشرف أسماء الله تعالى.
3/ إن هذا الاسم هو الأصل في أسماء الله سبحانه وتعالى، وتجري بقية الأسماء معه مجرى الصفات مع الأسماء، قال تعالى: (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) فأضاف سائر الأسماء إليه، ولا محالة أن الموصوف أشرف من الصفة، ولأنه يقال: الرحمن الرحيم الملك القدوس كلها من أسماء الله تعالى، ولا يقال: الله اسم الرحمن الرحيم، فدلّ هذا على أن الاسم هو الأصل.
فإن قيل لفظ "الله" قد جعل نعتا في قوله تعالى في أول سورة إبراهيم: (إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيد*اللّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ) قيل: هناك قراءات عدّة لهذه الآية:
1- قرأ نافع وابن عامر بالرفع على الاستئناف وخبره فيما بعده، والباقون بالجر عطفا على قوله (العزيز الحميد)، وقال أبو عمرو: والخفض على التقديم والتأخير تقديره: (صراط الله العزيز الحميد).
2- قوله تعالى: (قُل ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ) خصّ هذين الاسمين بالذكر وذلك يدلّ على أنهما أشرف من غيرهما، ثم إن اسم "الله" أشرف من اسم "الرحمن" لأن اسم الله يدلّ على كمال القهر والغلبة والعظمة والعزّة، واسم الرحمن يدلّ على كمال الرحمة،وأيضا كل الناس يقدّمون هذا الاسم في الذكر على سائر الأسماء وكذا في الخطب والمواعظ.
4/ هذا الاسم له خاصية غير حاصلة في سائر الأسماء وذلك أن سائر الأسماء والصفات إذا دخل عليها النداء أسقط عنها الألف واللام، ولهذا لا يجوز أن يقال: يالرحمن يالرحيم، بل يقال يارحمن يارحيم، أما هذا الاسم فإنه يحتمل هذا المعنى الصحيح فيصح أن يقال: يالله وذلك أن الألف واللام في هذا الاسم صارا كالجزء الذاتي فلا مجال لإسقاطهما حال النداء، وفيه إشارة لطيفة، وذلك لأن الألف واللام للتعريف فعدم سقوطها عن هذا الاسم يدلّ على أن هذه المعرفة لاتزول أبدا البتة.
5/ الاسم الوحيد الذي ورد في كل الأحاديث التي أخبر عنها الرسول أن فيها اسم الله الأعظم.
6/ كثرة وروده في كتاب الله تعالى فقد ورد في كتاب الله (2724) مرة.
7/ أن اسم "الله" مستلزم لجميع معاني أسمائه الحسنى، دالّ عليها بالإجمال، وكلاّ أسمائه وصفاته تفصيل وتبيين لصفات الألوهية التي اشتق منها اسم الله، واسم الله يدلّ على كونه-سبحانه- معبودا، تألهه الخلائق محبّة وتعظيما وخضوعا وفزعا إليه في النوائب والحاجات.
8/ تعرف الرب –تبارك وتعالى- إلى موسى عليه السلام باسمه الله، وتعرف إلى عباده في كتابه المنزّل على عبده ورسوله محمد بمثل ذلك.
وأكثر مايدعى الله –تبارك وتعالى- بلفظ: "اللهم" ومعناها: يالله، ولهذا لاتستعمل إلا في الطلب، فلا يقال: اللهم غفور رحيم، بل يقال: اللهم اغفر لي وارحمني.
ومما ورد في القرآن دعاء بـ"اللهم" دعاء عيسى عليه السلام : (اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً.
وقول الله سبحانه: (اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء).
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ربه كثيرا بقوله: "اللهم"، ومن ذلك:
1- عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: "اللهم اجعل في قلبي نورا، وعن يميني نورا، وعن يساري نورا، وتحتي نورا، وأمامي نورا، واجعل لي نورا".
2- أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا، فقال: "إذا أردت مضجعك فقل: اللهم أسلمت نفسي إليك، وفوضت أمري إليك، ووجهت وجهي إليك، وألجات ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك".... وغيره.
س: هل اسم "الله" مشتق أم هو اسم جامد؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين: أصحّهما أنه: مشتق.
قال ابن القيم –رحمه الله- : "زعم السهيلي وشيخه أبو بكر العربي أن اسم الله غير مشتق، لأن الاشتقاق يستلزم مادة يشتق منها، واسمه تعالى قديم والقديم لامادّة له فيستحيل الاشتقاق، ولاريب أنه إن أريد بالاشتقاق هذا المعنى، وأنه مستمد من أصل آخر فهو باطل.
والصواب أنه مشتق، وأن أصله الإله وهو دال على صفة الألوهية" ا.هـ
ويدلّ على أن أصل اسم الله الإله استعمال العرب له في كلامها، فقد أورد البخاري في صحيحه في ترجمة "باب مايذكر في النعوت وأسامي الله" قول خبيب: "وذلك في ذات الإله".
وأورد به أبي شيبة في مصنفه أن عمر سأل وفدا من غطفان عن القائل:
ألا سلمان إذ قال الإله له .................... قم في البرية فازجرها عن الفند
قالوا له: النابغة، قال: "ذلك أشعر شعراؤكم"
وفي المصنف أن حارثة بن بدر الهمداني قال:
لعمر أبيك أن همدان تتقي................. الإله ويقضي بالكتاب خطيبها
وكلّ هذا يدلّ على أن اسم الله هو الإله، وأن هذا كان معلوما للعرب في كلامها، والقرآن أنزل بلغة العرب.
س: مامعنى الله؟
عزى الزجاجي إلى يونس بن حبيب والكسائي والفراء وقطرب والأخفش: "أن أصله الإله، ثم حذفت الهمزة تخفيفا فاجتمعت لامان، فأدغمت الأولى في الثانية، فقيل: الله، فإله "فعال" بمعنى "مفعول" كأنه مألوه، أي: معبود مستحق للعبادة، يعبده الخلق ويألهونه، والتأله التعبد".
س: مامعنى الإله؟
1/ إما أنها مشتقة من أله الرجل، أو يأله إليه إذا فزع إليه من أمر نزل به، فآلهه أي أجاره وآمنه، يسمى إلاها كما يسمى الرجل إماما.
2/ وقيل من أله يأله إذا تحير، يراد من ذلك إذا وقع العبد في عظمة الله وجلاله وغير ذلك من صفات الربوبية وصرف همه إليها، أبغض الناس حتى لايميل قلبه إلى أحد.
قال الحافظ بن حجر: "أي أن القلوب تأله عند التفكر في جبروته ولأن القلوب تتحير وتعجز عن بلوغ كنه جلاله وصفاته، قال تعالى: (وَلايُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا)"
3/ وقيل أصل إله ولاه فقلبت الواو همزة كما قالوا للوشاح إشاح، وللوجاح إجاح، ومعنى ولاه أن الخلق يولهون إليه في حوائجهم ويضرعون إليه فيما يصيبهم ويفزعون إليه في كل ماينوبهم كما يوله كل طفل إلى أمه.
قال ابن القيم: "الإله هو الذي تألهه القلوب محبة وإجلالا وإنابة وإكراما وتعظيما وذلا وخضوعا وخوفا ورجاء وتوكلا".
4/ وهو وصف الاشتقاق الذي عليه مدار الأئمة، وقال ابن عباس – رضي الله عنهما – " الإله الذي يألهه كل شيء، ويعبده كل خلقه".
قال ابن سيده: "والإلهة والألوهة والألوهية العبادة".
وقد قرئ: (ويذرك وآلهتك)، وقرأ ابن عباس: (ويذرك وإلاهتك) يكسر الهمزة أي: وعبادتك.
تنبيه: لايشرع ذكر الله باسم "الجلالة" مفردا:
وذلك أن بعض الجاهلين من المسلمين يذكر الله باسم الجلالة مفردا، فيجعلون لهم أورادا يرددون فيها لفظ الجلالة "الله" مرات عديدة كألف أو ألفين أو أكثر، وأحيانا يجتمعون على ذلك في حلقات وهم جالسون أو وهم واقفون يتمايلون ذات اليمين وذات الشمال، ويقفزون بين الحين والآخر، ويصاحب ذلك دقات الطبول وأصوات المزامير!!! وتشتد الأصوات حتى لاتسمع إلا "هوهوهو" أو "أه اه أه" او "حع حع حع" ولم يشرع للمسلم أن يردد هذا الاسم مفردا أو غيره من لأسماء، بل إن الأذكار التي جاءت عن النبي لم تكن على هذه الصورة أبدا بل إن الأذكار الصحيحة الواردة عنه نجد فيها أن لفظ الجلالة لايذكر مفردا، من ذلك قوله : "من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر"
وقوله صلى الله عليه وسلم : "كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم".
وهكذا سائر الأذكار الواردة عنه صلى الله عليه وسلم.
وأحب الأسماء إلى الله تعالى: عبدالله وعبد الرحمن، كما جاء في الحديث الصحيح
وكشف سر ذلك الإمام ابن القيم -رحمه الله- في كلامه على الأسماء والكنى: "ولما كان الاسم مقتضيا لمسماه، ومؤثرا فيه كان أحب الأسماء إلى الله مااقتضى أحب الأوصاف إليه، كعبدالله وعبدالرحمن، وكان إضافة العبودية إلى اسم الله واسم الرحمن، أحب إليه من اضافتها إلى غيرهما، كالقاهر والقادر، فعبدالرحمن أحب إليه من عبدالقادر، وعبد الله أحب إليه من عبدربه، وهذا لأن التعلق الذي بين العبد وبين ربه إنما هو العبودية المحضة، والتعلق الذي بين الله وبين العبد بالرحمة المحضة، فبرحمته كان وجوده وكمال وجوده، والغاية التي أوجده لأجلها أن يتأله له وحده محبة وخوفا ورجاء وإجلالا وتعظيما، فيكون عبدا لله وقد عبده لما في اسم الله في معنى الإلهية التي يستحيل أن تكون لغيره، ولما غلبت رحمته غضبه، وكانت الرحمة أحب إليه من الغضب، كان عبدالرحمن أحب إليه من عبدالقاهر".
الأثر المسلكي للإيمان باسم الرب الله:
1/ الدعاء به.
2/ الشوق إلى لقائه، والحرص على السعي أن يظفر العبد برؤية الله في الجنة، وقد نصّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبب رؤيته في الجنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لاتضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لاتغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا".
3/ محبة الله جلّ وعلا.
4/ الخشوع والخضوع له.
5/تحقيق العبودية التامة لله مع مراعاة شرطي العبادة، الحب والذل.
تنقسم العبادة إلى:
1/عبودية عامة، عبودية أهل السماوات والأرض كلهم برهم وفاجرهم مؤمنهم وكافرهم وهذه عبودية القهر والملك (إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا)، وقوله: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاء) فسماهم عباده مع ضلالهم.
2/ عبودية خاصة، وهي عبودية الطاعة والمحبّة واتباع الأوامر (يَا عِبَادِ لاخَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلاأَنتُمْ تَحْزَنُونَ) (فَبَشِّرْ عِبَادِ).
والخلق كلهم عبيد ربوبية، وأهل طاعته وولايته هم عبيد إلهيته.
وإنما انقسمت العبودية إلى خاصة وعامة لأن أصل معنى اللفظة: الذلّ والخضوع، يقال: "طريق معبّد" إذا كان مذلل بوطء الأقدام وفلان عبّده الحبّ إذا ذلّـله، لكن أوليائه خضعوا له وذلّوا طوعا واختيارا، وأعداؤه خضعوا له قهرا ورغما.
إذن أول تعريف للعبادة هو: غاية الحبّ مع غاية الذلّ والطاعة، هذا باعتبار الفعل، أما باعتبار المفعول فتعريف العبادة هو: اسم جامع لكل مايحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
قواعد العبودية:
رحى العبودية على 15 قاعدة من أكملها أكمل مراتب العبودية، وبيانها أن العبودية منقسمة على القلب، واللسان، والجوارح، وعلى كل منها عبودية تخصه.
والأحكام التي للعبودية خمسة: واجب، ومستحب، وحرام، ومكروه، ومباح.
أهمية العبودية:
1/ الإنسان لاينفك عن العبودية مادام في دار التكليف (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) وقال أهل النار: (وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ*حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ) يعني: الموت، وعليه عبودية أخرى في دار البرزخ حين سؤال الملكين له، وعليه عبودية أخرى يوم القيامة لمّا يدعو الله الخلق كلهم إلى السجود فيسجد المؤمنون ويبقى الكفار والمنافقون لايستطيعون السجود، فإذا وصلوا دار الثواب والعقاب انقطع التكليف هناك وصارت عبودية أهل الثواب تسبيحا مقرونا بأنفاسهم لايجدون له تعبا ولانصبا.
2/ سماع الآيات والتأثر بها لمقولة: (ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ) وقوله سبحانه: (فَبَشِّرْ عِبَادِ*الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ).
3/ نفي الخوف والأحزان عنهم لقوة علاقتهم، لقوله سبحانه: (الأَخِلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ) وقوله سبحانه: (يَا عِبَادِ لاخَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلاأَنتُمْ تَحْزَنُونَ).
4/ الاقتداء بالملائكة في دوام العبودية (وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)، (وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ* إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ)، قال الشيخ السعدي: "فليقتد العباد بهؤلاء الملائكة الكرام وليداموا على عبادة الملك العلام.
5/ عدم تسلط الشيطان عليهم، لقوله: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً).
6/ حفظ العبد من المعاصي والمنكرات، لقوله: (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ).
7/ الاصطفاء لفهم القرآن والعمل به، قال تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا) وللجنة: (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا) وقال: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاالإيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا).
8/ قربه من عباده، قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ).
9/ العبودية ذروة الشرف، وجميع الرسل إنما دعوا إلى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)، (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ).
10/ العبودية وصف أكمل خلقه، الأنبياء والملائكة، قال تعالى: (لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ)، (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ) ووصف رسول الله بالعبودية في أشرف مقاماته في مقام إنزال القرآن: (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا)، والدعوة: (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا)، والإسراء: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً).
11/ أعلى مراتب الدين إحسان العبودية، "أن تعبد الله كأنك تراه".